ربما يكون هذا العنوان أصبح مألوفاً عند الكثير من الناس, ولكنه في الحقيقة له منزلة عند الله عظيمة, ويبدأ عنوان المحبة, أو يتأصل أولاً في تقديم أحب الأشياء للنفس إلى الله تعالى, ومن أحب الأشياء إلى ابن آدم المال, فلقد جُبلت النفس على حب المال من قديم الزمن, فتعرف العبد إن كان محباً لله تعالى, من عدمه عند الإنفاق في سبيل الله تعالى (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ) آل عمران (92) فعندما يتبرع العبد المسلم من ماله, ونفسه راضية بذلك, فاعلم أنه من المحبين في الله تعالى واعلم أخا الإسلام: أن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان, روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: (المتحابون في جلالي في ظل عرشي يوم القيامة, يوم لا ظل إلا ظلي) وروى الطبراني (إذا زار المسلم أخاه المسلم شيعه سبعون ألف ملك يُصلًون عليه يقولون: اللهم كما وصله فيك فصله) وقال أبو مسلم الخولاني, لمعاذ بن جبل: إني أحبك في الله, فقال له: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يُنصب لطائفة من أمتي كراسي حول العرش يوم القيامة, وجوههم كالقمر ليلة البدر, يفزع الناس ولا يفزعون, ويخاف الناس ولا يخافون وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: المتحابون في الله) قال العلماء (المحبة تكون مباحة بأن يُحب عامة الناس ومكروهة: وهي محبة الدنيا, ونافلة وهي محبة الأهل والولد, وفرضاً وهي محبة الله ورسوله, ومحبة الرسول مستلزمة لمحبة الله تعالى, (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) ومن علامة المحبة: اتباع المحبوب في الأمر والنهي وإلا فليست بمحبة تامة كما قيل في هذا المعنى:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه
هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لم يحب مطيع
وما أجمل هذه الكلمات التي ذكرها لنا علماء السلف ممن سبقونا, في الإسلام وهذه الكلمات وردت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلقد روي عن رسول الله أنه قال (حُبب إلي من دنياكم ثلاث, الطيب, والنساء, وجُعلت قُرة عيني في الصلاة) وقال أبو بكر رضي الله عنه وأنا حُبب إلي من دنياكم ثلاث النظر إلي عينيك يا رسول الله, والجلوس بين يديك, وإنفاق مالي عليك) وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وأنا أحب من الدنيا ثلاثا, الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وإقامة الحدود) وقال سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأنا أحب من الدنيا ثلاثا: إطعام الطعام, وإفشاء السلام, والصلاة بالليل والناس نيام. وقال سيدنا علي كرًم الله وجهه: وأنا أحب من الدنيا ثلاثا, الصوم في الصيف, وإكرام الضيف, وضرب أعناق المشركين بالسيف) ولما سمع سيدنا جبريل عليه السلام هذا قال: وأنا أحب ثلاثة, تبليغ الرسالة, وأداء الأمانة, وحب المساكين, وفي رواية, والحمد لله رب العالمين: وربُ العالمين سبحانه وتعالى يحب ثلاثة (لساناً ذاكراً, وقلباً شاكراً, وبدناً على البلاء صابراً).
أخي المسلم: العمل بكل هذه المعاني من علامات الحب في الله تعالى. فمن أراد مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة فليعمل بهذا. ولما وصل الحديث إلى الأئمة الأربعة فقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: وأنا أحب من دنياكم ثلاثا: تحصيل العلم طول الليالي, وترك الترفع والتعالى, وقلب من حب الدنيا خالِ. وقال الإمام مالك رضي الله عنه: وأنا حُبب إلي من دنياكم ثلاث مجاورة روضته صلى الله عليه وسلم, وملازمة تربته, وتعظيم أهل بيته. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وأنا حُبب إلي من دنياكم ثلاث: الخلق بالتلطف, وترك ما يؤدي إلى التكلف, والاقتداء بطريق التصوف. وقال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: وأنا أحب من دنياكم ثلاثا: متابعة النبي في أخباره والتبرك بأنواره وسلوك طريق آثاره. فمن كل ما ذكرناه نقول من باب التذكرة والعظة علينا مراجعة أنفسنا, ونسأل أنفسنا: ما الذي نحبه من هذه الدنيا؟ وهل بالفعل أننا نحب الله ورسوله؟ فالأمر ليس بالكلام فقط بل لابد من أن يتطابق القول مع العمل, فنسأل الله تعالى, أن يجعلنا ممن يقولون فيعملون ويعملون فيخلصون, ويخلصون فيقبلون, اللهم آمين والحمد لله رب العالمين