أكثر الكلام شهوة، وهو أكبر أبواب الهوى، لذلك نفاه الله عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ? وما ينطق عن الهوى ?، فالنبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن ميل باطل وشهوة، وإنما ينطق بوحي من الله سبحانه وتعالى ويتبع حكم الله.
وخطورة الكلام ليس في أن منه ما هو لغو أو شهوة مباحة أو هوى خارجاً عن حكم الله ومرضاته، بل يصل إلى حد المعصية والكبائر، كالكذب والغيبة وإخلاف الوعد وغير ذلك، وقد يصل إلى أن ينطق بكلمة كفر أو شرك، لذلك كان اللسان خطيرالشأن مهماً يحتاج إلى عناية وإصلاح وانتباه وضبط وتزكية، قال تعالى: ? لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ?.
وأكثر الذنوب هي من اللسان، وهذا ما يشعر به قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم "، ورغم أن ذنوب غير اللسان كثيرة، لكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أراد أن ينبهنا بأن سبب أكثر الذنوب عند الناس ـ من حيث الواقع ـ هو اللسان.
لذلك فمن أراد أن يزكي نفسه ويطهرها، فعليه أن يترك معاصي اللسان، ووسيلة ذلك هو الصمت إلا عن الكلام بخير، والمؤمن لا يكتفي بترك معاصي اللسان، بل يترك الكلام الذي لا فائدة منه ? والذين هم عن اللغو معرضون ?، ويحذر من كل كلمة ويدقق في معناها وفائدتها قبل نطقه بها، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً".
وقد بين الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الإنسان إذا أصلح لسانه ـ مع تقوى الله ـ فإن ذلك يكون سبباً في صلاح بقية جوارح الإنسان وأعماله، يقول الله تعالى: ? يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلحْ لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ?، أي إن اتقيتم وكان قولكم سديداً صحيحاً فإن الله كفيل بإصلاح أعمالكم كلها.
وهذا ما بينه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: " من توكل لي ما بين رجليه وما بين لحييه توكلت له بالجنة"، وهذه كفالة أخرى من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وضمانة منه لمن يترك معاصي اللسان والفرج بالجنة، ومعنى ذلك أن من أصلح هذين الأمرين فكأنما أصلح كل شيء.
فعلى من يريد تزكية نفسه أن يهتم بهذين الأمرين، فكل شيء بعدهما سهل بتوفيق الله، ولا شك في صدق كفالة الله وكفالة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فمن أصلحهما صلح أمره وعمله كله بفضل الله.
كما بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيضاً أن إصلاح الأعمال مرتبط بصلاح اللسان فقال: " إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء تكفر اللسان [أي تنبهه وتوبخه] تقول: إنما نحن بك، إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا "، أي إن كل الأعضاء والجوارح وأعمالها تبع للسان في صلاحها أو فسادها، فكأن الإنسان إمام في هذا الجسد، فاستقامته سبب في استقامة الجوارح كلها.
وحتى يستقيم اللسان فالقاعدة التي يجب أن يسير عليها الإنسان هي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت "، ومن عمل بهذه القاعدة فقد تخلص من أهم ذنوبه، وصار لديه مجال يستطيع من خلاله أن يشتغل في خير، من ذكر الله والتفكر والتعلم ونحو ذلك.
وقد لخص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جانب الخير التي ينبغي الكلام فيه في قوله: " الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، أو عالماً أو متعلماً ".